فصل: فصل: (الذبح الذي لا يفيد إباحة اللحم لا يفيد طهارة المذبوح)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكافي في فقه الإمام أحمد ***


كتاب الكافي في فقه الإمام أحمد بن حنبل

الجزء الأول

مقدمة المؤلف

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين

قال الشيخ العالم العلامة الأوحد الصدر الكامل شيخ الإسلام قدوة الأنام موفق الدين أبو عبد الله أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي رحمه الله الحمد لله الواحد القهار العزيز الغفار عالم خفيات الأسرار غافر الخطيئات والأوزار الذي امتنع عن تمثيل الأفكار وارتفع عن الوصف بالحد والمقدار وأحاط علمه بما في لجج البحار وله ما سكن في الليل والنهار أنعم علينا بالنعم الغزار ومن علينا بالنبي المختار محمد سيد الأبرار المبعوث من أطهر بيت في مضر بن نزار صلى الله عليه وعلى آله الأطهار وصحابته المصطفين الأخيار صلاة تجوز حد الإكثار دائمة بدوام الليل والنهار هذا كتاب استخرت الله تعالى في تأليفه على مذهب إمام الأئمة ورباني الأمة أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني رضي الله عنه في الفقه توسطت فيه بين الإطالة والاختصار وأومأت إلى أدلة مسائله مع الاقتصار وعزيت أحاديثه إلى كتب أئمة الأمصار ليكون الكتاب كافيا في فنه عما سواه مقنعا لقارئه بما حواه وافيا بالغرض من غير تطويل جامعا بين بيان الحكم والدليل وبالله أستعين وعليه اعتمد وإياه أسأل أن يعصمنا من الزلل ويوفقنا لصالح القول والنية والعمل ويجعل سعينا مقربا إليه ونافعا لديه وينفعنا والمسلمين بما جمعنا ويبارك لنا فيما صنعنا وهو حسبنا ونعم الوكيل‏.‏

باب‏:‏ حكم الماء الطاهر

يجوز التطهر من الحدث والنجاسة بكل ماء نزل من السماء‏:‏ من المطر وذوب الثلج والبرد لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به‏}‏ وقول النبي صلى الله عليه وسلم ‏[‏اللهم طهرني بالماء والثلج والبرد‏]‏ متفق عليه وبكل ما نبع من الأرض من العيون والبحار والآبار لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ يا رسول الله إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء أفنتوضأ بماء البحر‏؟‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏[‏هو الطهور ماؤه الحل ميتته‏]‏ قال الترمذي‏:‏ هذا حديث حسن صحيح و‏[‏كان النبي يتوضأ من بئر بضاعة‏]‏ رواه النسائي‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الماء المشمس وغيره‏]‏

فإن سخن بالشمس أو بطاهر لم تكره الطهارة به لأنها صفة خلق عليها الماء فأشبه ما لو برده وإن سخن بنجاسة يحتمل وصولها إليه ولم يتحقق فهو طاهر لأن الأصل طهارته فلا تزول بالشك ويكره استعماله لاحتمال النجاسة وذكر أبو الخطاب رواية أخرى‏:‏ أنه لا يكره لأن الأصل عدم الكراهية وإن كانت النجاسة لا تصل إليه غالبا ففيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ يكره لأنه يحتمل النجاسة فكره كالتي قبلها‏.‏

والثاني‏:‏ لا يكره لأن احتمال النجاسة بعيد فأشبه غير المسخن‏.‏

وإن خالط الماء طاهر لم يغيره لم يمنع الطهارة به لأن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏اغتسل مع زوجته في قصعة فيها أثر العجين‏]‏ رواه النسائي وابن ماجة والأثرم ‏[‏و‏]‏ لأن الماء باق على إطلاقه‏.‏

فإن كان معه ماء يكفيه لطهارته فزاده مائعا لم يغيره ثم ‏[‏تطهر‏]‏ به صح لما ذكرنا‏.‏

وإن كان الماء لا يكفيه لطهارته فكذلك لأنه المائع استهلك في الماء كالتي قبلها‏.‏

وفيه وجه آخر‏:‏ لا تجوز الطهارة به لأنه أكملها بغير الماء فأشبه ما لو غسل به بعض أعضائه‏.‏

وإن غير الطاهر صفة الماء لم يخل من أوجه أربعة‏:‏

أحدها‏:‏ ما يوافق الماء في الطهورية كالتراب وما أصله الماء كالملح المنعقد من الماء فلا يمنع الطهارة به لأنه يوافق الماء في صفته أشبه الثلج‏.‏

والثاني‏:‏ ما لا يختلط بالماء كالدهن والكافور والعود فلا يمنع لأنه تغير عن مجاورة فأشبه ما لو تغير الماء بجيفة قربة‏.‏

الثالث‏:‏ ما لا يمكن التحرز منه كالطحلب وسائر ما ينبت في الماء وما يجري عليه الماء من الكبريت والقار وغيرهما وورق الشجر على السواقي والبرك وما تلقيه الرياح والسيول في الماء من الحشيش والتبن ونحوهما فلا يمنع لأنه لا يمكن صون الماء عنه‏.‏

الرابع‏:‏ ما سوى هذه الأنواع كالزعفران والأشنان والملح المعدني وما لا ينجس بالموت كالخنافس والزنابير وما عفي عنه لمشقة التحرز إذا ألقي في الماء قصدا فهذا إن غلب على أجزاء الماء مثل أن جعله صبغا أو حبرا أو طبخ فيه سلبه الطهورية ‏[‏بغير‏]‏ خلاف لأنه زال اسم الماء فأشبه الخل‏.‏

وإن غير إحدى صفاته طعمه أو لونه أو ريحه ولم يطبخ فيه فأكثر الروايات عن أحمد أنه لا يمنع لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏فلم تجدوا ماء فتيمموا‏}‏ ولأنه خالطه طاهر لم يسلبه اسمه ولا رقته ولا جريانه أشبه سائر الأنواع‏.‏

وعنه‏:‏ لا تجوز الطهارة به لأنه سلب إطلاق اسم الماء أشبه ماء الباقلاء المغلي وهذا اختيار الخرقي وأكثر الأصحاب‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم الماء المستعمل في غسل طاهر‏]‏

فإن استعمل في رفع الحدث فهو طاهر لأن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏صب على جابر من وضوئه‏]‏ رواه البخاري ولأنه لم يصبه نجاسة فكان طاهرا كالذي تبرد به وهل تزول طهوريته به‏؟‏‏.‏

فيه روايتان‏:‏

أشهرهما‏:‏ زوالها لأنه زال عنه إطلاق اسم الماء أشبه المتغير بالزعفران‏.‏

والثانية‏:‏ لا تزول لأنه استعمال لم يغير الماء أشبه التبرد به‏.‏

وإن استعمل في طهارة مستحبة كالتجديد وغسل الجمعة والغسلة الثانية والثالثة فهو باق على إطلاقه لأنه لم يرفع حدثا ولم يزل نجسا‏.‏

وعنه أنه غير مطهر لأنه مستعمل في طهارة شرعية أشبه المستعمل في رفع الحدث‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الماء المستعمل في غسل نجس‏]‏

وإن استعمل في غسل نجاسة فانفصل متغيرا بها أو قبل زوالها فهو نجس لأنه متغير بنجاسه أو ملاق لنجاسة لم يطهرها فكان نجسا كما لو وردت عليه‏.‏

وما انفصل من الغسلة التي طهرت المحل غير متغير فهو طاهر إن كان المحل أرضا لأن النبي صلى الله عليه وسلم ‏[‏أمر أن يصب على بول الأعرابي ذنوب من ماء‏]‏ متفق عليه‏.‏

فلو كان المنفصل نجسا لكان تكثيرا في النجاسة‏.‏

وإن كان غير الأرض ففيه وجهان‏:‏

أظهرهما‏:‏ طهارته كالمنفصل عن الأرض ولأن البلل الباقي في المحل طاهر والمنفصل بعد المتصل فكان حكمه حكمه‏.‏

والثاني‏:‏ هو نجس لأنه ماء يسير لاقى نجاسة فتنجس بها كما لو وردت عليه‏.‏

فإن قلنا بطهارته فهل يكون مطهرا‏؟‏ على وجهين على الروايتين في المستعمل في رفع الحدث وقد مضى توجيههما‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏انغماس المحدث في ماء يسير‏]‏

وإذا انغمس المحدث في ماء يسير ينوي به رفع الحدث صار مستعملا لأنه استعمل في رفع الحدث ولم يرفع حدثه لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسل فيه وهو جنب‏]‏ رواه مسلم والنهي يقضي فساد المنهي عنه ولأنه بأول جزء انفصل منه صار مستعملا فلم يرتفع الحدث عن سائره‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏أحكام غير الماء من الموائع في رفع الحدث‏]‏

وما سوى الماء من المائعات كالخل ‏[‏والمرق‏]‏ والنبيذ وماء الورد والمعتصر من الشجر لا يرفع حدثا ولا يزيل نجسا ولقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فلم تجدوا ماء فتيمموا‏}‏ فأوجب التيمم على من لم يجد ماء وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأسماء في دم الحيض يصيب الثوب‏:‏ ‏[‏تحتيه ثم تقرصيه ثم تنضحيه بالماء ثم تصلي فيه‏]‏ متفق عليه فدل على أنه لا يجوز بغيره والله أعلم‏.‏

باب‏:‏ الماء النجس

إذا وقع في الماء نجاسة فغيرته نجس بغير خلاف لأن تغيره لظهور أجزاء النجاسة فيه‏.‏

وإن لم تغيره لم يخل من حالين‏:‏

أحدهما‏:‏ أن يكون قلتين فصاعدا فهو طاهر لم روى ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الماء وما ينوبه من الدواب والسباع فقال‏:‏ ‏[‏إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث‏]‏ رواه الأئمة وقال الترمذي‏:‏ هذا الحديث حسن وفي لفظ ‏[‏لم ينجسه شيء‏]‏ وروى أبو سعيد رضي الله عنه قال‏:‏ قيل‏:‏ يا رسول الله أتتوضأ من بئر بضاعة وهي‏:‏ بئر يلقى فيها الحيض ولحوم الكلاب والنتن‏؟‏ فقال‏:‏ ‏[‏الماء طهور ولا ينجسه شيء‏]‏ قال أحمد‏:‏ حديث بئر بضاعة صحيح‏.‏

قال أبو داود‏:‏ قدرت بئر بضاعة بردائي فوجدتها ستة أذرع ولأن الماء الكثير لا يمكن حفظه في الأوعية فعفي عنه كالذي لا يمكن نزحه‏.‏

الثاني‏:‏ ما دون القلتين ففيه روايتان‏:‏

أظهرهما‏:‏ نجاسته لأن قوله‏:‏ ‏[‏إذا بلغ الماء قلتين لم ينجسه شيء‏]‏ يدل على أن ما لم يبلغها ينجس ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات‏]‏ متفق عليه فدل على نجاسته من غير تغيير ولأن الماء اليسير يمكن حفظه ‏[‏في الأوعية‏]‏ فلم يعف عنه وجعلت القلتان حدا بين القليل والكثير‏.‏

والثانية‏:‏ هو طاهر لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏الماء طهور لا ينجسه شيء‏]‏ وروى أبو إمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏[‏الماء طهور لا ينجسه إلا ما غلب على لونه أو طعمه أو ريحه‏]‏ رواه ابن ماجة ولأنه لم يتغير بالنجاسة أشبه الكثير‏.‏

فصل‏:‏ وفي قدر القلتين روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ ‏[‏إنهما‏]‏ أربعمائة رطل بالعراقي لأنه روي عن ابن جريج ويحيى بن عقيل‏:‏ أن القلة تأخذ قربتين وقرب الحجاز كبار تسع كل قربة مائة رطل فصارت القلتان بهذه المقدمات أربعمائة رطل‏.‏

والثانية‏:‏ هما خمسمائة رطل لأنه يروى عن ابن جريج أنه قال‏:‏ رأيت قلال هجر فرأيت القلة منها تسع قربتين أو قربتين وشيئا فالاحتياط أن يجعل الشيء نصفا فيكونان خمس قرب‏.‏

وهل هذا تحديد أو تقريب‏؟‏

فيه وجهان‏:‏

أظهرهما‏:‏ أنه تقريب فلو نقص رطل أو رطلان لم يؤثر لأن القربة إنما جعلت مائة رطل تقريبا والشيء إنما جعل نصفا احتياطا والغالب أنه يستعمل فيما دون النصف وهذا لا تحديد فيه‏.‏

والثاني‏:‏ أنه تحديد فلو نقص شيئا يسيرا تنجس بالنجاسة لأنا جعلنا ذلك احتياطا وما وجب الاحتياط به صار فرضا كغسل جزء من الرأس مع الوجه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏اختلاط الماء الكثير بالنجس‏]‏

وجميع النجاسات في هذا سواء ما عدا بول الآدميين وعذرتهم المائعة فإن أكثر الروايات عن أحمد أنها تنجس الماء الكثير لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل منه‏]‏ متفق عليه إلا أن يبلغ حدا لا يمكن نزحه كالغدران والمصانع بطريق مكة فذلك الذي لا ينجسه شيء لأن نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن البول في الماء الدائم ينصرف إلى ما كان في أرضه على عهده من آبار المدينة ونحوها‏.‏

وعنه أنه كسائر النجاسات لعموم الأحاديث التي ذكرناها ولأن البول كغيره من النجاسات في سائر الأحكام فكذلك في تنجيس الماء وحديث البول لا بد من تخصيصه فنخصه بخبر القلتين‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الماء المتغير بنجاسة‏]‏

وإذا وقعت النجاسة في ماء فغيرت بعضه فالمتغير نجس وما لم يتغير إن بلغ قلتين فهو طاهر لعموم الأخبار فيه ولأنه ماء كثير لم يتغير بالنجاسة فكان طاهرا كما لو لم يتغير فيه شيء وإن نقص عنهما فهو نجس لأنه ماء يسير لاقى ماء نجس فنجس به فإذا كان بين الغديرين ساقية فيها ماء يتصل بهما فهما ماء واحد‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏أحكام الماء الجاري‏]‏

فأما الماء الجاري إذا تغير بعض جريانه بالنجاسة فالجرية المتغيرة نجسة وما أمامها طاهر لأنها لم تصل إليه وما وراءها طاهر لأنه لم يصل إليها وإن لم يتغير منه شيء احتمل أنه لا ينجس لأنه ماء كثير يتصل بعضه ببعض فيدخل في عموم الأخبار السابقة أولا فلم ينجس كالراكد ولو كان ماء الساقية راكدا لم ينجس إلا بالتغير فالجاري أولى لأنه أحسن حالا‏.‏

وجعل أصحابنا المتأخرون كل جرية كالماء المنفرد فإذا كانت النجاسة في جرية تبلغ قلتين فهي طاهرة ما لم تتغير وإن كان دون القلتين فهي نجسة وإن كانت النجاسة واقفة فكل جرية تمر عليها إن بلغت قلتين فهي طاهرة وإلا فهي نجسة وإن اجتمعت الجريات فكان في الماء قلتان طاهرتان متصلة لاحقة أو سابقة فالمجتمع كله طاهر إلا أن يتغيربالنجاسة لأن القلتين تدفعان النجاسة عن نفسهما ويطهرهما ما اجتمع معهما وإن لم يكن فالجميع نجس والجرية ما يحيط بالنجاسة من فوقها وتحتها ويمينها وشمالها وما قرب منها مع ما يحاذي ذلك فيما بين طرفي النهر‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏أقسام الماء الجاري‏]‏

وهو في ثلاثة أقسام‏:‏

الأول‏:‏ ما دون القلتين فتطهيره بالمكاثرة بقلتين طاهرتين إما أن ينبع فيه أو يصب عليه وسواء كان متغيرا فزال تغيره أو غير متغير فبقي بحاله‏.‏

الثاني‏:‏ قدر قلتين فتطهيره بالمكاثرة المذكورة أو بزوال تغيره بمكثه‏.‏

الثالث‏:‏ الزائد عن القلتين فتطهيره بهذين الأمرين أو بنزح يزيل تغيره ويبقى بعده قلتان ولا يعتبر صب الماء دفعة واحدة لأن ذلك يشق لكن يصبه على حسب ما أمكنه من المتابعة إما أن يجريه من ساقية أو يصبه دلوا فدلوا وإن كوثر بماء دون القلتين أو طرح فيه تراب أو غير ماء لم يطهره لأن ذلك لا يدفع النجاسة عن نفسه فلم يطهره الماء كما لو طرح فيه مسك ويتخرج أن يطهره لأنه تغير الماء فأشبه ما لو زال بنفسه ولأن علة التنجيس في الماء الكثير التغير فإذا زالت زال حكمها كما لو زال تغيير المتغير بالطاهرات‏.‏

فأما ما دون القلتين فلا يطهر بزوال التغير لأن العلة فيه المخالطة لا التغير‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏اجتماع النجاسات‏]‏

فإن اجتمع نجس إلى نجس فالجميع نجس وإن كثر لأن اجتماع النجس إلى النجس لا يتولد بينهما طاهر كالمتولد بين الكلب والخنزير ويتخرج أن يطهر إذا زال التغير وبلغ القلتين لما ذكرناه وإن اجتمع مستعمل إلى مثله فهو باق على المنع فإذا اجتمع مستعمل إلى طهور يبلغ القلتين فالكل طهور لأن القلتين تزيل حكم النجاسة فالاستعمال أولى فإن اجتمع مستعمل إلى طهور دون القلتين وكان المستعمل يسيرا عفي عنه لأنه لو كان مائعا غير الماء عفي عنه فالمستعمل أولى وإن كثر بحيث لو كان مائعا غلب على أجزاء الماء منع كغيره من الطاهرات‏.‏

باب‏:‏ الشك في الماء

إذا شك في نجاسته لم يمنع الطهارة به سواء وجد متغيرا أو غير متغير لأن الأصل الطهارة والتغير يحتمل أن يكون من مكثة أو بما لا يمنع فلا يزول في الشك‏.‏

وإن تيقن نجاسته ثم شك في طهارته فهو نجس لأن الأصل نجاسته‏.‏

وإن علم وقوع النجاسة فيه ثم وجد متغيرا تغيرا يجوز أن يكون منها فهو نجس لأن الظاهر تغيره بها‏.‏

وإن أخبره ثقة بنجاسة الماء لم يقبل حين يعين سببها لاحتمال اعتقاده نجاسته بما لا ينجسه كموت ذبابة فيه وإن عين سببها لزمه القبول رجلا كان أو امرأة بصيرا أو أعمى لأنه خبر ديني فلزمه قبوله كرواية الحديث ولأن للأعمى طريقا إلى العلم بالحس والخبر ولا يقبل خبر كافر ولا صبي ولا مجنون ولا فاسق لأن روايتهم غير مقبولة‏.‏

وإن أخبره أن كلبا ولغ في هذا الإناء دون هذا وقال آخر‏:‏ إنما ولغ في هذا الإناء دون ذاك حكم بنجاستهما لأنه يمكن صدقهما لكونهما في وقتين أو كانا كلبين وإن عينا كلبا ووقتا لا يمكن لا يمكن شربه فيه منهما تعارضا وسقط قولهما لأنه لا يمكن صدقهما ولم يترجح أحدهما‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الماء المشتبه في طهوريته‏]‏

وإن اشتبه الماء النجس بالطاهر تيمم ولم يجز له استعمال أحدهما سواء كثر عدد الطاهر أو لم يكثر وحكي عن أبي علي النجاد أنه إذا كثر عدد الطاهر فله أن يتحرى ويتوضأ بالطاهر عنده لأن احتمال إصابة الطاهر أكثر والأول المذهب لأنه اشتبه المباح بالمحظور فيما لا تبيحه الضرورة فلم يجز التحري كما لو كان النجس بولا أو كثر عدد النجس أو اشتبهت أخته بأجنبيات ولأنه لو توضأ بأحدهما ثم تغير اجتهاده في الوضوء الثاني فتوضأ بالأول لتوضأ بماء يعتقد نجاسته وإن توضأ بالثاني من غير غسل أثر الأول تنجس يقينا وإن غسل أثر الأول نقض اجتهاده باجتهاده وفيه حرج ينتفي بقوله سبحانه‏:‏ ‏{‏وما جعل عليكم في الدين من حرج‏}‏ فتركهما أولا أولى‏.‏

وهل يشترط لصحة التيمم إراقتها أو خلطهما‏؟‏ فيه روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ يشترط ليتحقق عدم الطاهر‏.‏

والثانية‏:‏ لا يشترط لأن الوصول إلى الطاهر متعذر واستعماله ممنوع منه فلم يشترط عدم كماء الغير‏.‏

وإن اشتبه مطلق بمستعمل توضأ من كل إناء وضوءا لتحصل له الطهارة بيقين وصلى صلاة واحدة وإن اشتبهت بالثياب الطاهرة بالنجسة وأمكنه الصلاة في عدد النجس وزيادة صلاة لزمه ذلك لأنه أمكنه تأدية فرضه يقينا من غير مشقة فلزم كما لو اشتبه المطلق بالمستعمل وإن كثر عدد النجس فذكر بن عقيل أنه يصلي في أحدها بالتحري لأن اعتبار اليقين يشق فاكتفى بالظاهر كما لو اشتبهت القبلة‏.‏

فصل‏:‏ وهو ثلاثة أقسام‏:‏

طاهر وهو ثلاثة أنواع‏:‏

أحدها‏:‏ الآدمي متطهرا كان أو محدثا لما روى أبو هريرة قال لقيني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا جنب فانخنست منه فاغتسلت ثم جئت فقال‏:‏ ‏[‏أين كنت يا أبا هريرة‏؟‏ قلت يا رسول الله‏!‏ كنت جنبا فكرهت أن أجالسك وأنا على غير طهارة فقال‏:‏ سبحان الله‏!‏ إن المؤمن ليس بنجس‏]‏ متفق عليه وعن عائشة‏:‏ ‏[‏أنها كانت تشرب من الإناء وهي حائض فيأخذه النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع فيها فيشرب‏]‏ رواه مسلم‏.‏

النوع الثاني‏:‏ ما يؤكل لحمه فهو طاهر بلا خلاف‏.‏

الثالث‏:‏ ما لا يمكن التحرز منه وهو السنور وما دونها من الخلقة لما روت كبشة بنت كعب بن مالك قالت‏:‏ دخل علي أبو قتادة فسكبت له وضوءا فجاءت هرة فأصغى لها الإناء حتى شربت فرآني أنظر إليه فقال‏:‏ أتعجبين يا ابنة أخي‏؟‏‏!‏ قلت نعم قال‏:‏ إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏إنها ليس بنجس إنها من الطوافين عليكم والطوافات‏]‏ رواه الترمذي وقال‏:‏ حديث حسن صحيح دل بمنطوقه على طهارة الهرة وبتعليله على الطهارة ما دونها لكونه مما يطوف علينا ولا يمكن التحرز عنه كالفأرة ونحوها فهذا سؤره وعرقه وغيرهما طاهر‏.‏

القسم الثاني‏:‏ نجس وهو‏:‏ الكلب والخنزير وما تولد منهما فسؤره نجس وجميع أجزائه لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فاغسلوه سبعا‏]‏ متفق عليه ولولا نجاسته ما وجب غسله والخنزير شر منه لأنه منصوص على تحريمه ولا يباح إنقاذه بحال وكذلك ما تولد من النجاسات كدود الكنيف وصراصره لأنه متولد من نجاسة فكان نجسا كولد الكلب‏.‏

القسم الثالث‏:‏ مختلف فيه وهو ثلاثة أنواع كذلك‏:‏

أحدهما‏:‏ سائر سباع البهائم والطير وفيهما روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ أنها نجسة لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الماء وما ينوبه من السباع فقال‏:‏ ‏[‏إذا كان الماء قلتين لم ينجسه شيء‏]‏ فمفهومه‏:‏ أنه ينجس إذا لم يبلغها ولأنه حيوان حرم لخبثه يمكن التحرز عنه فكان نجسا كالكلب‏.‏

والثانية‏:‏ أنها طاهرة لما روى أبو سعيد الخدري أن رسول صلى الله عليه وسلم سئل عن الحياض التي بين مكة والمدينة تردها السباع والكلاب الحمر وعن الطهارة بها فقال‏:‏ ‏[‏لها ما أخذت في أفواهها ولنا ما غبر طهور‏]‏ رواه ابن ماجة‏.‏

ومر عمر بن الخطاب وعمرو بن العاص بحوض فقال عمرو‏:‏ يا صاحب الحوض‏!‏ ترد على حوضك السباع‏؟‏ فقال عمر‏:‏ يا صاحب الحوض‏!‏ لا تخبرنا فإنا نرد عليها وترد علينا رواه مالك في الموطأ‏.‏

النوع الثاني‏:‏ الحمار الأهلي والبغل ففيهما روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ نجاستهما لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ في الحمر يوم خبير‏:‏ ‏[‏إنها رجس‏]‏ متفق عليه ولما ذكرنا من السباع‏.‏

والثانية‏:‏ أنها طاهرة لأنه قال‏:‏ إذا لم يجد غير سؤرهما تيمم معه ولو شك في نجاسته لم يبح استعماله ووجهها ما روى جابر أن رسول صلى الله عليه وسلم سئل‏:‏ أنتوضأ بما أفضلت الحمر‏؟‏ قال ‏[‏نعم وبما أفضلت السباع كلها‏]‏ رواه الشافعي في مسنده ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يركب الحمار والبغال وكان الصحابة يقتنونها ويصحبونها في أسفارهم فلو كانت نجسة لبين لهم نجاستها ولأنه لا يمكن التحرز عنها لمقتنيها فأشبهت الهرة ويحكم بطهارته ويجوز بيعها فأشبهت مأكول اللحم‏.‏

النوع الثالث‏:‏ الجلالة وهي أكثر علفها النجاسة ففيها روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ نجاستها لأن النبي صلى الله عليه وسلم ‏[‏نهى عن مركوب الجلالة وألبانها‏]‏ رواه أبو داود ولأنها تنجست بالنجاسة والريق لا تطهر‏.‏

والثانية‏:‏ أنها طاهرة لأن الضبع والهر يأكلان النجاسة وهما طاهران‏.‏

وحكم أجزاء الحيوان من جلده وشعره وريشه حكم سؤره لأنه من أجزائه فأشبه فمه فإذا وقع في الماء ثم خرج حيا فحكم ذلك حكم سؤره‏.‏

قال أحمد في فأرة سقطت في ماء ثم خرجت حية‏:‏ لا بأس به‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏سؤر الهرة‏]‏

إذا أكلت الهرة نجاسة ثم شربت من ماء بعد غيبتها لم ينجس لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏[‏إنها ليست بنجس‏]‏ مع علمه بأكل النجاسات وإذا شربت قبل الغيبة فقال أبو الحسن الآمدي‏:‏ ظاهر قول أصحابنا‏:‏ طهارته للخبر ولأننا حكمنا لطهارتها بعد الغيبة واحتمال طهارتها بها شك لا يزيل يقين النجاسة‏.‏

وقال القاضي‏:‏ ينجس لأن أثر النجاسة في فمها بخلاف ما بعد الغيبة فإنه يحتمل أن تشرب من ماء يطهر فاها فلا ينجس ما تيقنا طهارته بالشك‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏أنواع الحيوان‏]‏

والحيوان الطاهر على أربعة أضرب‏:‏

أحدها‏:‏ ما تباح ميتته كالسمك ونحوه والجراد وشبهه فميتته طاهرة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏والحل ميتته‏]‏‏.‏

والثاني‏:‏ ما ليست له نفس سائلة كالذباب والعقارب والخنافس فهو طاهر حيا وميتا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فامقلوه فإن في أحد جناحيه شفاء وفي الآخر داء‏]‏ ‏{‏رواه البخاري بمعناه فأمر بمقله ليكون شفاء لنا إذا أكلنا ولأنه لا نفس له سائلة أشبه دود الخل إذا مات فيه‏.‏

والثالث‏:‏ الآدمي ففيه روايتان‏:‏

أظهرهما‏:‏ أنه طاهر بعد الموت لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏إن المؤمن ليس بنجس‏]‏ ولأنه لو كان نجس العين لم يشرع غسله كسائر النجاسات‏.‏

والثانية‏:‏ هو نجس قال أحمد في صبي مات في بئر‏:‏ تنزح وذلك لأنه حيوان له سائلة أشبه الشاة‏.‏

والرابع‏:‏ ما عدا ما ذكرنا ما له نفس سائلة لا تباح ميتته فميتته نجسة لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏حرمت عليكم الميتة‏}‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس‏}‏‏.‏

باب‏:‏ الآنية

وهي ضربان‏:‏

مباح من غير كراهية‏:‏ وهو إناء طاهر من غير جنس الإثمان ثمينا كان أو غير ثمين كالياقوت والبلور والعقيق والخزف والخشب والجلود والصفر لأن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل من جفنة وتوضأ من تور من صفر وتور من حجارة ومن قربة وإداوة‏.‏

والثاني‏:‏ محرم وهو آنية الذهب والفضة لما روى حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا من صحافهما فإن لهم في الدنيا ولكم في الآخرة‏]‏ وقال‏:‏ ‏[‏الذي يشرب من آنية الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم‏]‏ متفق عليهما فتوعد عليه بالنار فدل على تحريمه ولأن فيه سرفا وخيلاء وكسر قلوب الفقراء ولا يحصل هذا في ‏[‏ثمين‏]‏ الجواهر لأنه لا يعرفها إلا خواص الناس ويحرم اتخاذها ولأن ما حرم استعماله حرم اتخاذه ‏[‏على‏]‏ هيئة الاستعمال كالطنبور ويستوي في ذلك الرجال والنساء لعموم الخبر وإنما أبيح للنساء التحلي للحاجة إلى الزينة للأزواج فما عداه تجب التسوية فيه بين الجميع وما ضبب بالفضة أبيح إذا كان يسيرا لما روى أنس أن قدح الرسول صلى الله عليه وسلم انكسر فاتخذ من مكان الشعب سلسلة من فضة رواه البخاري‏.‏

ولا يباح الكثير لأن فيه سرفا فأشبه الإناء الكامل واشترط أبو الخطاب أن يكون لحاجة لأن الرخصة وردت في شعب القدح وهو لحاجة ومعنى الحاجة أن تدعو الحاجة إلى ما فعله به وإن كان غيره يقوم مقامه وقال القاضي‏:‏ يباح من غير حاجة لأنه يسير إلا أن أحمد كره الحلقة لأنها تستعمل وتكره مباشرة الفضة بالاستعمال فأما الذهب فلا يباح لا في الضرورة كأنف الذهب لأن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏رخص لعرفجة بن سعد لما قطع أنفه يوم الكلاب واتخذ أنفا من ورق فأنتن عليه فأمره أن يتخذ أنفا من الذهب‏]‏ قال الترمذي‏:‏ هذا حديث حسن صحيح ويباح ربط أسنانه بالذهب إذا خشي سقوطها لأنه في معنى أنف الذهب وذكر أبو بكر في التنبيه أنه يباح يسير الذهب وقال أبو الخطاب‏:‏ ولا بأس بقبيعة السيف بالذهب لأن سيف عمر كان فيه سبائك من ذهب ذكره الإمام أحمد وعن مزيدة العصري قال‏:‏ دخل الرسول صلى الله عليه وسلم يوم الفتح وعلى سيفه ذهب وفضة رواه الترمذي وقال هو حديث غريب‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏آنية الذهب والفضة‏]‏

فإن تطهر في آنية الذهب والفضة ففيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ تصح طهارته وهذا قول الخرقي لأن الوضوء جريان الماء على العضو وليس بمعصية وإنما المعصية استعمال الإناء‏.‏

والثاني‏:‏ لا تصح اختاره أبو بكر لأنه استعمال للمعصية في العبادة أشبه الصلاة في الدار المغصوبة‏.‏

فصل‏:‏ وهم ضربان‏:‏

أحدهما‏:‏ من لا يستحل الميتة كاليهود فأوانيهم طاهرة ‏[‏مباحة الاستعمال‏]‏ لأن النبي أضافه يهودي بخبز وإهالة سنخة فأجابه رواه أحمد في المسند وتوضأ عمر رضي الله عنه من جرة نصرانية‏.‏

والثاني‏:‏ من يستحل الميتات والنجاسات كعبد الأصنام والمجوس وبعض النصارى فلما لم يستعملوه في آنيتهم فهو طاهر وما استعملوه فهو نجس لما روى أبو ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال‏:‏ قلت‏:‏ يا رسول الله إنا بأرض قوم أهل كتاب أفنأكل في آنيتهم‏؟‏ قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏لا تأكلوا فيها إلا أن تجدوا غيرها فاغسلوها ثم كلوا فيها‏]‏ متفق عليه وما شك في استعماله فهو طاهر وذكر أبو الخطاب أن أواني الكفار كلها طاهرة‏.‏

وفي كراهية استعمالها روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ تكره لهذا الحديث‏.‏

والثانية‏:‏ لا تكره لأن النبي صلى الله عليه وسلم أكل فيها‏.‏

فأما ثياب الكفار فما لم يلبسوه أو علا من ثيابهم كالعمامة والطيلسان فهو طاهر لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يلبسون ثيابا من نسج الكفار وما لاقى عوراتهم فقال أحمد‏:‏ أحب إلي أن يعيد إذا صلى فيهما فيحتمل وجوب الإعادة وهو قول القاضي لأنهم يتعبدون بالنجاسة ويحتمل ألا تجب وهو قول أبي الخطاب لأن الأصل الطهارة فلا تزول بالشك‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏جلود الميتة‏]‏

وجلود الميتة نجسة ولا تطهر بالدباغ في ظاهر المذهب لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏حرمت عليكم الميتة‏}‏ والجلد جزء منها وروى أحمد عن يحيى بن سعيد عن شعبة عن الحكم عن ابن أبي ليلى عن عبد الله بن عكيم قال‏:‏ قرء علينا كتاب رسول الله في أرض جهينة وأنا غلام شاب‏:‏ ‏[‏أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب‏]‏‏.‏

قال أحمد ما أصلح إسناده ‏[‏تعجب منه‏]‏ ولأنه جزء من الميتة نجس بالموت فلم يطهر كاللحم وعنه‏:‏ يطهر منها جلد ما كان طاهرا حال الحياة لما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم وجد شاة ميتة أعطيتها مولاة لميمونة من الصدقة فقال‏:‏ ‏[‏ألا أخذوا إهابها فدبغوه فانتفعوا به‏؟‏ قالوا‏:‏ إنها ميتة فقال‏:‏ إنما حزم أكلها‏]‏ متفق عليه‏.‏

ولا يطهر جلد ما كان نجسا لأن النبي صلى الله عليه وسلم- ‏[‏نهى عن جلود السباع وعن مياثر النمور‏]‏ رواه الأثرم ولأن أثر الدبغ في إزالة نجاسة حادثة بالموت فيعود الجلد إلى ما كان عليه قبل الموت كجلد الخنزير‏.‏

وهل يعتبر في طهارة الجلد المدبوغ أن يغسل بعد دبغه‏؟‏ على وجهين‏:‏

أحدهما‏:‏ لا يعتبر لما روى ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏[‏أيما إهاب دبغ فقط طهر‏]‏ متفق عليه‏.‏

والثاني‏:‏ يعتبر لأن الجلد محل النجس فلا يطهر بغير الماء كالثوب‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏عظم الميتة وقرنها وظفرها وحافرها‏]‏

وعظم الميتة وقرنها وظفرها وحافرها نجس لا يطهر بحال لأنه جزء من الميتتة فيدخل في عموم قول الله تعالى‏:‏ ‏{‏حرمت عليكم الميتة‏}‏ والدليل على أنه منها قول الله تعالى‏:‏ ‏{‏قال من يحيي العظام وهي رميم‏.‏ قل يحييها الذي أنشأها أول مرة‏}‏ ولأن دليل الحياة الإحساس والألم والضرس يؤلم ويحس بالضرس برد الماء وحرارته وما فيه حياة يحله الموت فينجس به كاللحم‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏صوفها ووبرها وشعرها وريشها‏]‏

وصوفها ووبرها وشعرها وريشها طاهر لأنه لا روح له فلا يحله الموت لأن الحيوان لا يألم بأخذه ولا يحس ولأنه لو كانت فيه حياة لنجس بفصله من الحيوان في حياته لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏ما أبين من حي فهو ميت‏]‏ رواه أبو داود بمعناه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏شعر الحيوان وريشه‏]‏

وحكم شعر الحيوان وريشه حكمه في الطهارة والنجاسة متصلا كان أو منفصلا في حياة الحيوان أو موته فشعر الآدمي طاهر لأن النبي صلى الله عليه وسلم ناول أبا طلحة شعره فقسمه بين الناس رواه الترمذي وقال‏:‏ حديث حسن واتفق على معناه ولولا طهارته لما فعل ولأنه شعر حيوان طاهر فأشبه شعر الغنم‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏لبن الميتة‏]‏

ولبن الميتة نجس لأنه مائع في وعاء نجس وإنفحتها نجسة لذلك وعنه‏:‏ أنها طاهرة لأن الصحابة رضي الله عنهم أكلوا من جبن المجوس وهو يصنع بالإنفحة وذبائحهم ميتة فأما البيضة‏:‏ فإن صلب قشرها لم ينجس كما لو وقعت من شيء نجس وإن لم يصلب فهي كاللبن‏.‏

وقال ابن عقيل‏:‏ لا تنجس إذا كان عليها جلدة تمنع وصول النجاسة إلى داخلها‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الذبح الذي لا يفيد إباحة اللحم لا يفيد طهارة المذبوح‏]‏

وكل ذبح لا يفيد إباحة اللحم لا يفيد طهارة المذبوح كذبح المجوسي ومتروك التسمية وذبح المحرم للصيد وذبح الحيوان غير المأكول لأنه ذبح غير مشروع فلم يطهر كذبح المرتد‏.‏

باب‏:‏ السواك وغيره

السواك سنة مؤكدة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة‏]‏ متفق عليه وعنه عليه السلام أنه قال‏:‏ ‏[‏السواك مطهرة للفم مرضاة للرب‏]‏ رواه الإمام أحمد في المسند ويتأكد استحبابه في أوقات ثلاثة‏:‏ عند الصلاة لما ذكرنا وإذا قام من النوم لما روى حذيفة رضي الله عنه قال‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏[‏إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك‏]‏ متفق عليه ولأن النائم ينطبق فمه ويتغير والثالث‏:‏ عند تغير الفم بمأكول أو خلو معدته ولأن السواك شرع لتنظيف الفم وإزالة رائحته ويستحب في سائر الأوقات لما روى شريح بن هانئ قال‏:‏ سألت عائشة رضي الله عنها بأي شيء كان يبدأ النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته‏؟‏ قالت بالسواك رواه مسلم‏.‏

قال ابن عقيل‏:‏ لا يختلف المذهب أنه لا يستحب السواك للصائم بعد الزوال لأنه يزيل خلوف فم الصائم وخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ولأنه أثر عبادة مستطاب شرعا فلم يستحب إزالته كدم الشهداء‏.‏

وهل يكره‏؟‏ على روايتين‏:‏

أحدهما‏:‏ يكره لذلك‏.‏

والثانية‏:‏ لا يكره لأن عامر بن ربيعة قال‏:‏ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا أحصي يتسوك وهو صائم قال الترمذي‏:‏ هذا الحديث حسن ويستاك بعود لين ينقي الفم ولا يجرحه ولا يتفتت فيه وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستاك بعود أراك ولا يستاك بعود رمان لأنه يضر بلحم الفم ولا عود ريحان لأنه يروى أنه يحرك عرق الجذام فإن استاك بإصبعه أو خرقة لم يصب السنة لأنها لم ترد به ولا يسمى سواكا ‏[‏قال ابن عبد القوي على القول المجود‏]‏‏:‏ ويحتمل أن يصيب لأنه يحصل من الإنقاء بقدره‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏سنن الفطرة‏]‏

ومن السنة تقليم الأظافر وقص الشرب ونتف الإبط وحلق العانة لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول اله صلى الله عليه وسلم ‏[‏الفطرة خمس‏:‏ الختان والاستحداد وقص الشارب وتقليم الأظافر ونتف الإبط‏]‏ متفق عليه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الختان‏]‏

ويجب الختان لأنه من ملة إبراهيم فإنه روي أن إبراهيم عليه السلام ختن نفسه متفق عليه وقد قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم‏}‏ ولأنه يجوز كشف العورة من أجله ولو أنه واجب ما جاز النظر إليها لفعل مندوب‏.‏

فإن كان كبيرا وخاف على نفسه من الختان سقط وجوبه‏.‏

باب‏:‏ فرائض الوضوء وسننه

أول فرائضه‏:‏ النية‏:‏ وهي شرط الطهارة الأحدث كلها الغسل والوضوء والتيمم لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى‏]‏ متفق عليه ولأنها عبادة محضة فلم تصح من غير نية كالصلاة‏.‏

ومحل النية‏:‏ القلب لأنها عبارة عن القصد ويقال‏:‏ نواك بخير أي‏:‏ قصدك به ومحل القصد القلب ولا يعتبر أن يقول بلسانه شيئا فإن لفظ بما نواه كان آكد موضع وجوبها عند المضمضة ن لأنها أول واجباته ويستحب تقديمها على غسل اليدين والتسمية لتشمل مفروض الوضوء ومسنونه ويستحب استدامة ذكرها في سائر وضوءه فإن عزبت في أثنائها جاز لأن النية في أول العبادة تشمل جميع أجزائها كالصيام وإن تقدمت النية الطاهرة بزمن يسير وعزبت عنه في أولها جاز لأنها عبادة فلم يشترط اقتران النية بأولها كالصيام‏.‏

وصفتها‏:‏ أن ينوي رفع الحدث أي‏:‏ إزالة المانع من الصلاة أو الطهارة لأمر لا يستباح إلا بها كالصلاة والطواف ومس المصحف وإن نوى الجنب بغسله قراءة القرآن صح لأنه يتضمن رفع الحدث وإن نوى بطهارته ما لا تشرع له الطهارة كلبس ثوبه ودخول بيته والأكل لم يرتفع حدثه لأنه ليس بمشروع أشبه التبرد وإن نوى ما يستحب له الطهارة كقراءة القرآن وتجديد الوضوء وغسل الجمعة والجلوس في المسجد والنوم فكذلك في إحدى الروايتين لأنه لا يفتقر إلى رفع الحدث أشبه لبس الثوب والأخرى‏:‏ يرتفع حدثه لأنه يشرع له فعل هذا وهو غير محدث وقد نوى ذلك فينبغي أن تحصل له ولأنها طهارة صحيحة فرفعت الحدث كما لو نوى رفعه وإن نوى رفع الحدث والتبرد صحت طهارته لأنه أتى بما يجزئه وضم إليه ما لا ينافيه فأشبه ما لو نوى بالصلاة والعبادة والإدمان على السهر فإن نوى طهارة مطلقة لم يصح لأن منها ما لا يرفع الحدث وهو الطهارة من النجاسة وإن نوى رفع حدث بعينه فهل يرتفع غيره‏؟‏ على وجهين قال أبو بكر‏:‏ لا يرتفع لأنه لم ينوه أشبه إذا لم ينو شيئا وقال القاضي‏:‏ يرتفع لأن الأحدث تتداخل فإن ارتفع بعضها ارتفع جميعها وإن نوى صلاة واحدة نفلا أو فرضا لا يصلي غيرها ارتفع حدثه ويصلي ما شاء لأن الحدث إذا ارتفع لم يعد إلا لسبب جديد ونيته للصلاة تضمنت رفع الحدث وإن نوى نية صحيحة ثم غير نيته فنوى التبرد في بعض الأعضاء لم يصح ما غسله للتبرد فإن أعاد غسل العضو بنية الطهارة صح ما لم يعطل الفصل‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏التسمية عند الوضوء‏]‏

ثم يقول‏:‏ بسم الله وفيها روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ أنها واجبة في طهارات ‏[‏الأحدث‏]‏ كلها اختارها أبو بكر لما روى أبو سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏[‏لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه‏]‏ قال أحمد‏:‏ حديث أبي سعيد أحسن شيء في الباب‏.‏

والثانية‏:‏ أنها سنة اختارها الخرقي قال الخلال الذي استقرت الروايات عنه‏:‏ أنه لا باس به إذا ترك التسمية لأنها عبادة فلا تجب فيها التسمية كغيرها وضعف أحمد الحديث فيها وقال‏:‏ ليس يثبت في هذا الحديث واختلف من أوجبها في سقوطها بالسهو فمنهم من قال‏:‏ لا تسقط كسائر واجبات الطهارة ومنهم من أسقطها لأن الطهارة عبادة تشتمل على مفروض ومسنون فكان من فروضها ما يسقطه السهو كالصلاة والحج فإن ذكرها في أثناء وضوئه سمى حيث ذكر‏.‏

ومحل التسمية اللسان لأنها ذكر وموضعها بعد النية ليكون مسميا على جميع الوضوء‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏غسل الكفين‏]‏

في غسل الكفين‏:‏ ثم يغسل كفيه ثلاثا لأن عثمان وعبد الله بن زيد رضي الله عنهما وصفا وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا‏:‏ فأفرغ على يديه من إنائه فغسلهما ثلاث مرات متفق عليهما ولأن اليدين آلة نقل الماء إلى الأعضاء ففي غسلهما احتياط لجميع الوضوء ثم إن كان لم يقم من نوم الليل فغسلهما مستحب لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يديه قبل أن يدخلهما الإناء ثلاثا فإنه لا يدري أين باتت يده‏]‏ متفق عليه ولم يذكر البخاري ثلاثا فتخصيصه هذه الحالة بالأمر دليله على عدم الوجوب في غيرها‏.‏

وإن قام في نوم الليل ففيه روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ أنه واجب اختارها أبو بكر لظاهر الأمر فإن غمسهما قبل غسلهما صار الماء مستعملا لأن النهي عن غمسهما يدل على أنه يفيد منعا وإن غسلهما دون الثلاث ثم غمسهما فكذلك لأن النهي باق وغمس بعض يده كغمس جميعها ويفتقر غسلها إلى النية لأنه غسل وجب تعبدا أشبه بالوضوء‏.‏

والرواية الثانية‏:‏ ليس بواجب اختارها الخرقي لأن اليد عضو لا حدث عليه ولا نجاسة فأشبهت سائر الأعضاء وتعليل الحديث يدل على أنه أريد به الاستحباب لأنه علل بوهم النجاسة ولا يزال اليقين بالشك فأن غمسهما في الماء فهو باق على إطلاقه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏المضمضة والاستنشاق‏]‏

ثم يتمضمض ويستنشق لأن كل من وصف وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر أنه مضمض واستنشق وهما واجبان في الطهارتين لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏فاغسلوا وجوهكم‏}‏ وهما داخلان في حد الوجه ظاهران يفطر الصائم بوصول القيء أليهما ولا يفطر بوضع الطعام فيهما ولا يحد بوضع الخمر فيهما ولا يحصل الرضاع بوصل اللبن إليهما ويجب غسلهما من النجاسة فيدخلان في عموم الآية وعنه‏:‏ الاستنشاق وحده واجب لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ثم لينتثر‏]‏ متفق عليه‏.‏

وعنه‏:‏ أنهما واجبان في الكبرى دون الصغرى لأنهما طهارة تعم جميع البدن ويجب فيها غسل ما تحت الشعور وتحت الخفين‏.‏

ويستحب المبالغة فيهما إلا أن يكون صائما لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للقيط بن صبرة‏:‏ ‏[‏وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما‏]‏ حديث صحيح وصفة المبالغة اجتذاب الماء بالنفس إلى أقصى الأنف ولا يجعله سعوطا وفي المضمضة إدارة الماء في أقاصي الفم ولا يجعله وجورا وهو مخير بين أن يمضمض ويستنشق ثلاثا من غرفة أو من ثلاث غرفات لأن في حديث عبد الله بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم مضمض واستنشق من كف واحدة ففعل ذلك ثلاثا وفي لفظ‏:‏ أدخل يده في الإناء فمضمض واستنشق واستنثر ثلاثا بثلاث غرفات متفق عليهما وإن شاء فصل بينهما لأن جد طلحة بن مصرف قال‏:‏ رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفصل بين المضمضة والاستنشاق رواه أبو داود ولا يجب الترتيب بينهما وبين الوجه لأنهما منه لكن تستحب البدء بهما اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏غسل الوجه‏]‏

ثم يغسل وجهه وذلك فرض بالإجماع لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فاغسلوا وجوهكم‏}‏ وحده من منابت شعر الرأس المعتاد إلى ما انحدر من اللحيين والذقن طولا ومن الأذن إلى الأذن عرضا ولا اعتبار بالأصلع الذي ينحسر شعره عن ناصيته ولا الأفرع الذي ينزل شعره على جبهته‏.‏

فإن كان في الوجه شعر كثيف يستر البشرة ولم يجب غسل ما تحته لأنه باطن أشبه ‏[‏باطن‏]‏ أقصى الأنف ويستحب تخليله لأن النبي صلى الله عليه وسلم خلل لحيته وروى أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ أخذ كفا من ماء فأدخله تحت حنكه فخلل به لحيته وقال‏:‏ ‏[‏هكذا أمرني ربي عز وجل‏]‏ رواه أبو داود‏.‏

وإن كان يصف البشرة وجب غسل الشعر والبشرة‏.‏

وإن كان بعضه خفيا وبعضه كثيفا وجب غسل ظاهر الكثيف وبشرة الخفيف معه وسواء في هذا شعر اللحية أو الحاجبين والشارب والعنفقة لأنها شعور معتادة على الوجه أشبهت اللحية‏.‏

وفي المسترسل من اللحية عن حد الوجه روايتان‏:‏

إحداهما لا يجب غسله لأنه شعر نازل عن محل الفرض أشبه الذؤابة في الرأس‏.‏

والثاني‏:‏ يجب لأنه نابت في بشرة الوجه أشبه الحاجب ويدخل في حد الوجه العذار ‏[‏وهو‏:‏ الشعر الذي على العظم الناتئ سمت صماخ الأذن إلى الصدغ‏.‏

والعارض‏:‏ الذي تحت العذار‏]‏ والذقن‏:‏ هو مجتمع اللحيين ويخرج منهما النزعتان وهما‏:‏ ما ينحسر عنهما الشعر في فودي الرأس لأنهما في الرأس لدخولهما فيه والصدغ‏:‏ هو الذي عليه الشعر في حق الغلام محاذ لطرف الأذن الأعلى لأنه شعر متصل بالرأس ابتداء فكان من الرأس كسائره وقد مسحه النبي صلى الله عليه وسلم مع رأسه في حديث الربيع‏.‏

ويستحب أن يزيد في ماء الوجه لأن فيه غضونا وشعورا ودواخل وخوارج ويمسح مآقيه ويتعاهد المفصل وهو البياض الذي بين اللحية والأذن فيغسله‏.‏

ولا يجب غسل داخل العينين ولا يستحب لأنه لا يؤمن الضرر من غسلهما‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏غسل اليدين إلى المرفقين‏]‏

ثم يغسل يديه إلى المرفقين وهو فرض بالإجماع لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏وأيديكم إلى المرافق‏}‏ ويجب غسل المرفقين لأن جابرا رضي الله عنه قال‏:‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا توضأ أمر الماء على مرفقيه رواه الدار قطني وفيه دار الماء وهذا يصلح بيانا لأن إلى بمعنى مع كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏من أنصاري إلى الله‏}‏ ‏[‏أي‏:‏ مع الله‏]‏ ‏{‏ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم‏}‏‏.‏

ويجب غسل أظفاره وإن طالت والأصبع الزائدة والسلعة لأن ذلك من يده وإن كانت له يد زائدة أصلها في محل الفرض وجب غسلها لأنها نابتة من محل الفرض أشبهت الإصبع وإن نبتت في العضد أو المنكب لم يجب غسلها وإن حاذت محل الفرض لأنها من غير محل الفرض فهي كالقصيرة وإن كانت له يدان متساويتان على منكب واحد وجب غسلهما لأن إحداهما ليست أولى من الأخرى‏.‏

وإن تقلعت جلدة من الذراع فتدلت من العضد لم يجب غسلها لأنها صارت من العضد وإن تقلعت من العضد فتدلت من الذراع وجب غسلها لأنها متدلية من محل الفرض وإن تقلعت من إحداهما فالتحم رأسها بالأخرى وجب غسل ما حاذى محل الفرض منها لأنها كالجلد الذي عليهما فإن كانت متجافية في وسطها غسل ما تحتها من محل الفرض وإن كان أقطع فعليه غسل ما بقي من محل الفرض فإن لم يبق منه شيء سقط الغسل ويستحب أن يمس محل القطع بالماء لئلا يخلو العضو من طهارة‏.‏

وتستحب البداءة بغسل اليمنى من يديه ورجليه لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب التيمن في ترجله وتنعله وطهوره وفي شأنه كله متفق عليه فإذا بدأ باليسرى جاز لأنهما كعضو واحد بدليل قوله سبحانه وتعالى‏:‏ ‏{‏وأيديكم‏}‏ ‏{‏وأرجلكم‏}‏ فجمع بينهما‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏مسح الرأس‏]‏

ثم يمسح رأسه وهو فرض بغير خلاف لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏وامسحوا برءوسكم‏}‏ وهو ما ينبت عليه الشعر المعتاد من الصبي مع النزعتين ويجب استيعابه بالمسح لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وامسحوا برءوسكم‏}‏ والباء للإلصاق فكأنه قال امسحوا رءوسكم وصار كقوله سبحانه‏:‏ ‏{‏فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه‏}‏ قال ابن برهان‏:‏ من زعم أن الباء للتبغيض فقد جاء أهل اللغة بما لا تعرفونه وظاهر قول الإمام أحمد‏:‏ المرأة يجزئها مسح مقدم الرأس لأن عائشة كانت تمسح مقدم رأسها وعنه في الرجل‏:‏ أنه يجزئه مسح بعضه لأن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏مسح بناصيته وعمامته‏]‏ رواه مسلم‏.‏

وكيفما مسح الرأس أجزأ بيد واحدة أو بيدين إلا أن المستحب أن يمر يديه من مقدم رأسه إلى قفاه ثم يعيدهما إلى الموضع الذي بدأ منه لأن عبد الله بن زيد رضي الله عنهما قال في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم ‏[‏ثم مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر مرة واحدة‏]‏ متفق عليه ولا يستحب تكرار المسح لأن أكثر من وصف وضوء النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أنه مسح مرة واحدة ولأنه ممسوح في طهارة أشبه التيمم وعنه‏:‏ يستحب تكراره لأن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثا ثلاثا وقال‏:‏ ‏[‏هذا وضوئي ووضوء المرسلين قبلي‏]‏ رواه ابن ماجه ولأنه أصل في الطهارة أشبه الغسل‏.‏

والأذنان في الرأس يمسحان معه لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏الأذنان من الرأس‏]‏ رواه أبو داود وروت الربيع بنت معوذ أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح برأسه وصدغيه وأذنيه مسحة واحدة رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح ويستحب إفرادهما بماء جديد لأنهما كالعضو المنفرد وإنما هما من الرأس وعلى وجه التبع ولا يجزىء مسحهما عنه لذلك وظاهر كلام أحمد أنه لا يحب مسحهما لذلك ويستحب أن يدخل سبابتيه في صماخي أذنيه ويجعل إبهاميه لظاهرهما ولا يجب مسح ما نزل عن الرأس من الشعر ولا يجزئ مسحه عن الرأس سواء رده فعقده فوق رأسه أو لم يرده لأن الرأس ما ترأس وعلا ولو أدخل يده تحت الشعر فمسح البشرة دون الظاهر لم يجزه لأن الحكم تعلق بالشعر فلم يجزه مسح غيره ولو مسح رأسه ثم حلقه أو غسل عضوا ثم قطع جزعا منه أو جلده لم يؤثر في طهارته لأنه ليس ببدل عما تحته فلم يلزمه بظهره طهارة فإن أحدث بعد ذلك غسل ما ظهر لأنه صار ظاهرا فتعلق الحكم به ولو حصل في بعض أعضائه شق أو ثقب لزمه غسله لأنه صار ظاهرا‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏غسل الرجلين‏]‏

ثم يغسل رجليه إلى الكعبين وهو فرض لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وأرجلكم إلى الكعبين‏}‏ ويدخل الكعبين في الغسل لما ذكرنا في المرفقين ولا يجزئ مسح الرجلين لما روى عمر أن رجلا ترك موضع ظفر في قدمه اليمنى فأبصره النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ‏[‏ارجع فأحسن وضوءك‏]‏ فرجع ثم صلى رواه مسلم وإن كان الرجل أقطع اليدين فقدر على أن يستأجر من يوضئه بأجرة مثله لزمه كما يلزمه شراء الماء ولا يعفى عن شيء من طهارة الحدث وإن كان يسيرا لما ذكرنا من حديث عمر‏.‏

ويستحب أن يخلل أصابعه لأن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏إذا توضأت فخلل بين أصابع يديك ورجليك‏]‏ رواه الترمذي وقال‏:‏ هذا حديث حسن‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الترتيب في الوضوء‏]‏

ويجب ترتيب الوضوء على ما ذكرنا في ظاهر المذهب وحكي عنه أنه ليس بواجب لأن الله سبحانه وتعالى عطف الأعضاء المغسولة بالواو ولا ترتيب فيها‏.‏

ولنا أن في الآية قرينة تدل على الترتيب لأنه أدخل الممسوح بين المغسولات وقطع النظير عن نظيره ولا يفعل الفصحاء هذا إلا لفائدة ولا نعلم هنا فائدة سوى الترتيب ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينقل عنه الوضوء إلا مرتبا وهو يفسر كلام الله سبحانه بقوله مرة وبفعله مرة أخرى فإن نكس وضوءه فختم بوجهه لم يصح إلا غسل وجهه وإن غسل وجهه ويديه ثم غسل رجليه ثم مسح برأسه صح وضوءه إلا غسل رجليه فيغسلهما ويتم وضوءه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الموالاة في الوضوء‏]‏

ويوالي في غسل الأعضاء وفي وجوب الموالاة روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ يجب لأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلي وفي رجله لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء فأمره أن يعيد الوضوء والصلاة رواه أبو داود ولو لم تجب الموالاة لأجزأه غسلها ولأن النبي صلى الله عليه وسلم والى بين الغسل‏.‏

والثانية‏:‏ لا تجب لأن المأمور به الغسل وقد أتى به وقد روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه توضأ وترك مسح خفيه حتى دخل المسجد فدعي لجنازة فمسح عليهما وصلى عليها والتفريق المختلف فيه‏:‏ أن يؤخر غسل عضو حتى يمضي زمن ينشف فيه الذي قبله في الزمن المعتدل فإن أخر غسل عضو لأمر في الطهارة من إزالة الوسخ أو عرك عضو لم يقدح في طهارته‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏تثليث الوضوء‏]‏

والوضوء مرة يجزىء والثلاث أفضل لأن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة وقال‏:‏ ‏[‏هذا وضوء من لم يتوضأه لم يقبل الله له صلاة‏]‏ ثم توضأ مرتين ثم قال‏:‏ ‏[‏هذا وضوء من توضأه أعطاه الله كفلين من الأجر‏]‏ ثم توضأ ثلاثا ثلاثا ثم قال‏:‏ ‏[‏هذا وضوئي ووضوء المرسلين من قبلي‏]‏ أخرجه ابن ماجة وإن غسل بعض أعضائه أكثر من بعض فلا بأس فقد حكى عبد الله بن زيد وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فغسل يديه مرتين ثم مضمض واستنثر ثلاث ‏[‏وغسل وجهه ثلاثا‏]‏ ثم غسل يديه مرتين إلى المرفقين ثم مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر بدأ بمقدم الرأس ثم ذهب بهما إلى قفاه ثم درهما ثم رجع من المكان الذي بدأ منه ثم غسل رجليه متفق عليه ولا يزيد عن ثلاث لأن أعرابيا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فأراه ثلاثا ثلاثا ثم قال‏:‏ ‏[‏هذا الوضوء فمن زاد على هذا فقد أساء وظلم‏]‏ رواه أبو داود ويكره الإسراف في الماء لأن النبي صلى الله عليه وسلم مر على سعد وهو يتوضأ فقال‏:‏ ‏[‏لا تسرف قال‏:‏ يا رسول الله‏:‏ في الماء إسراف‏؟‏ قال‏:‏ نعم وإن كنت على نهر جار‏]‏ رواه ابن ماجة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏إسباغ الوضوء‏]‏

ويستحب إسباغ الوضوء ومجاوزة قدر الواجب بالغسل لأن أبا هريرة رضي الله عنه توضأ فغسل يديه حتى أشرع في العضد ورجله حتى أشرع في الساق ثم قال‏:‏ هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وقال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏أنتم الغر المحجلون يوم القيامة من إسباغ الوضوء فمن استطاع منكم فليطل غرته وتحجيله‏]‏ متفق عليه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏المعاونة على الوضوء‏]‏

لا بأس بالمعاونة على الوضوء والغسل بتقريب الماء وحمله وصبه لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحمل له الماء ويصب عليه قال أنس رضي الله عنه‏:‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم ينطلق لحاجته فآتيه أنا وغلام من الأنصار بإداوة من ماء يستنجي به وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال‏:‏ كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فمشى حتى توارى عني في سواد الليل ثم جاء فصببت عليه من الإداوة فغسل وجهه وذكر بقية الوضوء متفق عليهما وعن عائشة رضي الله عنها قالت‏:‏ كنا نعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة آنية في الليل مخمرة إناء لطهره وإنا لسواكه وإنا لشرابه أخرجه ابن ماجة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏تجفيف أثر الغسل والوضوء‏]‏

وفي تنشيف بلل الغسل والوضوء روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ يكره لأن ميمونة رضي الله عنها وصفت غسل النبي صلى الله عليه وسلم قالت‏:‏ فأتيته بالمنديل فلم يردها وجعل ينفض الماء بيده متفق عليه‏.‏

والأخرى‏:‏ لا بأس به لأنه إزالة الماء عن بدنه أشبه نفضه بيديه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏ما يقول بعد وضوئه‏]‏

ويستحب أن يقول بعد فراغه من الوضوء‏:‏ أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله لما روى عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏[‏من توضأ وأحسن وضوئه ثم قال‏:‏ أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فتح الله له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها يشاء‏]‏ رواه مسلم‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏فرائض الوضوء‏]‏

والمفروض من ذلك بغير خلاف خمسة‏:‏ النية وغسل الوجه وغسل اليدين ومسح الرأس وغسل الرجلين‏.‏

وخمسة فيها روايتان‏:‏ الترتيب والموالاة والمضمضة والاستنشاق والتسمية‏.‏

والسنن سبعة‏:‏ غسل الكفين والمبالغة في المضمضة والاستنشاق وتخليل اللحية وأخذ ماء جديد للأذنين وتخليل الأصابع والبداءة باليمنى والدفعة الثانية والثالثة‏.‏